البرهان يوافق على هدنة الفاشر.. هل تلتزم بها الدعم السريع؟

أعطى الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، موافقته الكريمة يوم الجمعة المنصرم على إعلان هدنة إنسانية لمدة أسبوع كامل في مدينة الفاشر الزاهرة، عاصمة ولاية شمال دارفور الشامخة، وذلك حسبما ورد في بيان صحفي رسمي صادر عن مجلس السيادة الانتقالي.
وقد أفاد البيان الصحفي بأن البرهان تلقى مكالمة هاتفية من الأمين العام للأمم المتحدة، السيد أنطونيو غوتيريش، الذي أعرب عن ترحيبه الحار بتعيين الدكتور كامل إدريس في منصب رئيس الوزراء للفترة الانتقالية الحاسمة. كما دعا غوتيريش، خلال هذه المحادثة الهاتفية، البرهان إلى إعلان هدنة إنسانية مؤقتة في مدينة الفاشر لمدة سبعة أيام، وذلك بهدف دعم الجهود الحثيثة التي تبذلها الأمم المتحدة لتيسير وصول الإغاثة العاجلة إلى آلاف المواطنين الأبرياء المحاصرين هناك من قبل مليشيا الدعم السريع لأكثر من عام.
جاءت موافقة البرهان على الهدنة الإنسانية المؤقتة بسرعة فائقة، ولكنها كانت مشروطة بضوابط محددة، حيث أكد البرهان بشدة على ضرورة التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وعلى رأسها القرار رقم (2736) الذي يدعو فيه المجلس مليشيا الدعم السريع بشكل صريح ومباشر إلى وقف حصارها الظالم على مدينة الفاشر، ووقف قصف معسكرات النازحين الأبرياء واستهداف المدنيين العزل والمرافق الحيوية التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية.
بالإضافة إلى ذلك، تضمن القرار دعوة صريحة لجميع الأطراف المتنازعة إلى الوقف الفوري للقتال الدائر وخفض التصعيد في الفاشر ومحيطها، وسحب جميع القوات المسلحة من المنطقة.
ومع الأسف، لم تلتزم مليشيا الدعم السريع بتنفيذ هذا القرار الأممي، واستمرت في إحكام قبضتها على الفاشر ومواصلة قصف المدينة والمرافق الحيوية التي تعتبر شريان الحياة للسكان.
وتصر مليشيا الدعم السريع على حصار الفاشر بهدف الاستيلاء عليها بالقوة؛ فهي المدينة الوحيدة في إقليم دارفور التي لا تزال تحت سيطرة الجيش السوداني والقوات المساندة له، ولم تتمكن مليشيا الدعم السريع من إخضاعها حتى الآن.
إن موافقة الحكومة السودانية على الهدنة الإنسانية المؤقتة تعتبر تطورًا إيجابيًا في موقفها وتعكس إحساسها بالمسؤولية، ويحسب لها هذا القرار الشجاع، ويضيف ثقلًا مهمًا سيؤدي حتمًا إلى ترجيح كفتها على الصعيدين المحلي والدولي.
فالوضع الإنساني المتدهور في المدينة، والذي استمرّ لأكثر من عام كامل، قد وصل إلى ذروته، حيث وضع هذا الحال الإنساني المزري الحكومة السودانية أمام مسؤوليتها الأخلاقية والقانونية باعتبارها السلطة الشرعية التي تدير شؤون البلاد، مما يفرض عليها القبول بأي صيغة تتيح لها القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، وذلك بضمان توصيل المساعدات الإنسانية الضرورية إليهم ومنع تفاقم الوضع الكارثي وصولًا إلى حد الانهيار.
وهذا الموقف المتزن من جانب الحكومة السودانية موقف طبيعي ومفهوم، ولكن، ونظرًا لأن إنجاح الهدنة وتحقيق أهدافها النبيلة مرهون بموافقة وتعاون الطرفين مع الأمم المتحدة، فإن الموقف من الهدنة التي دعا إليها غوتيريش على صعيد مليشيا الدعم السريع لا يزال يكتنفه الغموض حتى الآن، حيث لم يصدر عن المليشيا أي رد فعل واضح، سواء بالرفض أو القبول.
وهو ما يثير العديد من التساؤلات المشروعة بشأن هذا الموقف الغامض من قبل المليشيا، ويثير كذلك المخاوف العميقة من أن يكون ذلك مؤشرًا قويًا على رفضها للهدنة، وبالتالي وضع العراقيل والعقبات في طريقها.
ويمكن التكهن بموقف مليشيا الدعم السريع حيال الهدنة بناءً على معطيات وحيثيات عديدة تفضي إلى أنها ستكون إلى الرفض أقرب منها إلى الموافقة، أو على أحسن الفروض أن تقيد المليشيا موافقتها بشروط تعجيزية هي الأخرى، على غرار موقف الحكومة السودانية التي اشترطت التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بهذا الخصوص.
والذي يحملنا على ترجيح رفض مليشيا الدعم السريع للهدنة أو تقييدها بشروط قاسية عدة أسباب وجيهة:
- أولًا؛ بادرت مليشيا الدعم السريع إلى حصار الفاشر عمدًا من أجل (إنتاج) وضع إنساني كارثي يستدعي تدخل قوات أممية، وليس مجرد قوافل مساعدات إنسانية، وذلك بالاستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يخدم أجندتها السياسية الخفية التي على رأسها تدويل القضية السودانية والتمهيد لإعلان حكومة موازية في إقليم دارفور، بما يفضي في نهاية المطاف إلى فصل الإقليم، ومن ثم إدارته من قبل الدعم السريع وحاضنتها السياسية المتمثلة في جماعة (صمود) بقيادة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك.
- ثانيًا؛ تسعى مليشيا الدعم السريع، من خلال حصارها للفاشر، إلى كسر القوة الصلبة للقوى المناوئة لها، حيث تعتبر الفاشر معقلًا رئيسيًا لمن تراهم أنهم خصومها التاريخيين في إقليم شمال دارفور، بالإضافة إلى إضعاف الجيش والقوات المساندة له التي تتحصن داخل المدينة، وتعمل على صد هجمات مليشيا الدعم السريع، ومحاولاتها المتكررة اقتحامَ المدينة.
- ثالثًا؛ إن إسقاط الفاشر سيمكّن المليشيا من بسط كامل سيطرتها على إقليم دارفور بكل ولاياته، وبذلك تعوض المليشيا خسارتها الفادحة في ولايات الخرطوم والجزيرة وأجزاء من ولايتي النيل الأبيض وسنار التي كانت تسيطر عليها في وقت سابق، قبل أن يتمكن الجيش الباسل من إخراجها منها.
- رابعًا؛ تعتقد مليشيا الدعم السريع أن الهدنة ستتيح للجيش السوداني والقوات المساندة له فرصة لالتقاط أنفاسهم، وإعادة تنظيم صفوفهم، بما يمكنهم من شنّ هجمات واسعة النطاق على قواتها، وفكّ الحصار الخانق الذي تفرضه على المدينة.
ولهذا السبب، من المتوقع أن تسعى مليشيا الدعم السريع جاهدة إلى منع الحكومة السودانية من استغلال الهدنة لتعزيز قدراتها الهجومية، واستكمال حملتها المعلنة التي تهدف إلى طرد المليشيا من الفاشر ومحيطها، ومن ثم الهجوم على بقية مدن الإقليم التي تسيطر عليها المليشيا.
إن دعوة الأمم المتحدة إلى الهدنة الإنسانية، وموافقة الحكومة السودانية عليها، قد وضعتا مليشيا الدعم السريع في موقف لا تحسد عليه، وبين خيارين أحلاهما مر، فإن هي وافقت على الهدنة كان ذلك معززًا لموقف الجيش السوداني والقوات المساندة له، بحسب تقديرها هي، وإن هي رفضت الهدنة كان ذلك إدانة قوية لها وإضعافًا لموقفها على الصعيد الدولي؛ باعتبارها الجهة المعيقة للجهود الدولية المخلصة التي تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة للمدنيين الأبرياء المحاصرين من قِبلها، في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى كسب الدعم والسند الدوليَين.